شهود على المجزرة

سلسلة يكتبها سكان مخيم أشرف يررون فيها سلسلة المجازر التي ارتكبتها قوات المالكي ضد اللاجئين العزل
زمان مهدي زاده
هنا.. على هذه الأرض الطيبة التي عمرناها بأيدينا منذ عام 1985 وأزلنا عنها صفات الصحراء لتغدو جنة خضراء، هنا في الأرض التي أطلقنا عليها اسم (أشرف)، أريقت دماء المئات منا في يوم الثامن من نيسان عام 2011، ذلك اليوم الذي ان متنا فسيبقى حيا في الذاكرة يذكّر العالم بما ارتكبه الطغاة من فضائع ضد بني البشر، هنا كان الله شاهدا وكانت الملائكة الكرام تسجل، هنا ثوى شهداؤنا مضحين بأرواحهم فداءا لوطنهم وقضيتهم العادلة التي كانت ولاتزال (قضية شعب) .
في يوم الجمعة الدامية (8 نيسان 2011)، اقتحمت ارضنا قوات مدججة بشتى انواع الأسلحة تمتطي صهوات المدرعات العسكرية وعجلات الهامفي، قوات مؤتمرة بإمرة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي رضخ لإملاءات ملالي الشر الحاكمين في بلادنا جاءت للإنتقام منا والتنكيل بنا بسبب موقفنا الرافض لحكومة الولي الفقيه الدكتاتور الذي بسط نفوذه على ايران والعراق وأذل شعبيهما.
كنت شاهد عيان على هذه المجزرة الوحشية التي ارتكبت ضدنا رغم كوننا عزلا بلا سلاح ندافع به عن أنفسنا سوى عقيدتنا الراسخة واستعدادنا للتضحية بأرواحنا في سبيل خلاص شعبنا وتحريره من الحكم الفاشي الدكتاتوري الظالم.
لقد كتب لي أن أبقى على قيد الحياة رغم اصاباتي المتعددة خلال هجوم هؤلاء الظلمة المجرمين، كتب لي أن أحيا وأروي للعالم ما شاهدته وعشته في حمام الدم الذي أقامه القتلة في مخيم أشرف.
شاهدت العديد من رفاقي تدهسهم عجلات الهامفي عندما احتشدنا عند الجناح الشمالي للمخيم لترديد هتافات الإحتجاج أمام المدرعات التي جاءت لاحتلال المخيم، وصعقت لمشاهدتي عجلة الهامفي تسحق ساقي زميلي بهمن رحيمي، هرعت راكضا باتجاهه وعندما وصلت اليه شاهدت انه اصيب من ناحية الصدر والرجلين، وبعده بلحظات بعد ذلك دهست الهامفي زميلا آخر هو فرشاد بوركشكولي وعبرت فوق جسده في مشهد وحشي سيبقى عالقا في ذاكرتي ما حييت.
لقد تسبب هجوم المدرعات وعمليات الدهس في جعلنا نستشيط غضبا ونصعّد من هتافاتنا ضد حكام الدجل والخسة في طهران، ما جعل العسكر يفتحون نيران أسلحتهم باتجاهنا والرد على هتافاتنا التي لم ترق لهم بالرصاص الحي، فسقط اول شهداء هذه المجزرة وهم الزملاء حنيف كفائي وزهير ذاكري ومحمد قيومي.
وفي فجر يوم الجمعة 8 نيسان اراد العدو ان يحتل بيتنا غضبا الذي تعبنا كثيرا لبنائه ولم يقصر علينا باي جريمة في هذا المجال حيث كنت شاهد عيان لمشاهد مؤلمة بما فيها دهس اخواني تحت عجلات مدرعات هامفي عندما اجتمعنا للدفاع عن بيوتنا نحن واخواتنا هاتفين شعارات عند تدفق قوات المالكي الى منطقة اجتماعنا قرب سواطر الجناح الشمالي قريب من المدخل الشمالي للمخيم وبعد فوات دقائق فاصبت باستغراب شديد من رؤية سحق ارجل زميلي بهمن رحيمي تحت عجلات مدرعة هامفي التي هاجمت المتظاهرين وبسرعة ساحقة وعندما وصلت اليه شاهدت انه اصيب من ناحية الصدر والرجلين ولحظات بعد ذلك دهست الهامفي زميل آخر وهو فرشاد بوركشكولي وعبرت الهامفي جسده بشناعة كاملة.
مع ذلك فاستأصل قوات الجيش ولاحظوا ان هذا القدر من البشاعة لا يكفي للتفوق على اصرار المجاهدين على خروجهم من اشرف وذلك من خلال هتفاتهم وشعاراتهم فحسب لذا التجئوا الى الرمي المباشر بالرصاص الحي وسقط اول شهداء هذه المجزرة اسمائهم حنيف كفائي وزهير ذاكري ومحمد قيومي الذين اصيب كل منهما برصاصة في رأسه تلتها رصاصة استقرت في صدر الشهيد قيومي.
في تلك اللحظة اشتعل فينا الغضب وثار في داخل كل أشرفي ألف حسين وتحولت أرض أشرف الى كربلاء جديدة طافت حولها روح سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، فحملنا جثامين الشهداء الطاهرة فوق ايدينا واتجهنا باتجاه القوات العراقية مرددين شعار «لا اله الا الله»، ولكنهم وبحقدهم الأعمى فتحوا النار علينا مجددا ما ادى الى اصابة 10 منا بجروح وسقوط شهيد آخر اسمه فريدون عيني الذي سحقته مدرعة هامفي فحملنا جثمانه الطاهر بعيون اغرورقت بالدموع لمشاهدتها وجه هذا الفارس البطل مخضبا بالدماء، فطوبى له وهنيئا له الجنة.
اما ابشع المشاهد التي يعجز اللسان عن وصف قسوتها ووحشيتها هو مشهد هجوم قوات المالكي على حاملي الجرحى، فقد انهالوا علينا بالضرب بالهروات والعصي واعقاب الاسلحة، وفي حين كنت احمل زميلي شهرام نصيري الذي اصيب بجروح في رأسه امطرنا هؤلاء القساة ضربا لم يميز بين الجريح وحامله، فكسرت يدي التي اتقيت بها الضربات ثمانية كسور حتى جاءتني ضربة على رأسي فقدت على اثرها توازني.
كما وفتحوا النار على 3 سيارات جاءت لإخراج الجرحى من الساحة بما فيها سيارة الشهيد بهمن عتيقي، حيث كان يحاول ان ينقل الجرحى ولكن اصيب بجروح خطيرة بعد فتح النارعلى سيارته وبسبب محاولة الجرافة (الشفل) ان تقلب السيارة بالكامل، فاخترقت الرصاصة الاولى ظهره والثانية قطعت نخاعه، وقد فاضت روحه الطاهرة بعد 16 يوما من المجزرة في مستشفى بعقوبة، بيد انا كنا نعلم مسبقا انه سيستشهد لعدم الحصول على الطبيب الاخصائي يجري له عملية جراحية فورية، خاصة بعد ان ظهرت العفونة في نخاعه بسبب سوء التعامل المتعمد.
وقد جرح في هذا المشهد المأساوي حميد يوسفي ونادر سبزي خباز وعلي شيركاهي وعطا رضائي الذين اصيبوا بجروح من ناحية الصدر واليد والرجل، ورغم اصاباتهم الخطيرة انزلهم الجنود من السيارة واخذوا يضربونهم حيث وصلت حالتهم الصحية الى حال لاتعود فيه الى ما كان عليه.
اليوم، وبعد نجاتي من هذه المجزرة التي كنت في قلبها، لازلت مؤمنا بأن الله سيهيء لي السبيل يوم ما لأتقدم بشهادتي أمام المحكمة الدولية للإقتصاص من منفذي هذه المذبحة، فالمذبحة الموثقة بالصورة والصوت وافادات الشهود ستكون كابوسًا يطارد المالكي حتى يصاب بالجنون.