الهامة -نجاد يواجه وقتا عصيبا مع قرب انتهاء لعبة شد الحبل مع خامنئي

الرئيس الإيراني يرفض التنحي ورجال الدين قد يبقونه مقيد الحركة بانتظار انتخابات 2013
لندن: «الشرق الأوسط»
أسفرت أسابيع من العواصف السياسية التي اجتاحت إيران عن هذه اللحظة. فقد بات على الرئيس محمود أحمدي نجاد الاختيار ما بين تعميق خلافه مع المرشد الأعلى أو اغتنام الفرصة للقيام بإصلاحات والخروج بإيران من صراع مقيت على السلطة. وقد انتهى إلى القيام بكلا الأمرين معا؛ ففي اجتماع لمجلس الوزراء يوم الأحد الماضي، أثنى أحمدي نجاد بدرجة كبيرة على المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، غير أنه وجه بعض الاتهامات لأولئك الذين انحازوا إلى جانب خامنئي في النزاع الدائر حاليا، الذي كان في البداية متعلقا برئيس المخابرات الإيراني، لكنه سرعان ما امتد ليشمل اختبارا للإرادات بين الآلة السياسية للرئاسة والسلطة المتزايدة للحكومة الدينية.
ويمكن أن يفصح الأسف غير المكتمل من جانب أحمدي نجاد عن الكثير فيما يتعلق بلهجة خطابه في سنتي حكمه الأخيرتين: حديثه بلهجة توحي بتضاؤل مكانته، غير أنه لا يظهر أية نية من جانبه للاتجاه إلى التنحي بهدوء بعد نهاية فترة حكمه، حسبما لاحظت وكالة «أسوشييتد برس» في تقرير لها.
ويقول خبراء إن الرسالة الأساسية تكمن في أن أحمدي نجاد قد فقد مكانة الابن المفضل بين رجال الدين الحاكمين، وأن خامنئي ورجال الدين المتشددين يعيدون التأكيد على تمسكهم بخوض الانتخابات البرلمانية العام المقبل والتصويت لخليفة أحمدي نجاد في الحكم في منتصف 2013. ويعني كل هذا أنه ربما يكون تم إبعاد أحمدي نجاد عن المشاركة في تشكيل السياسات المهمة - بما فيها المواجهة مع الغرب فيما يتعلق بالطاقة النووية - وإعداد وريث سياسي له.
فبدلا من ذلك، من المرجح أن يحاول النظام الحاكم إبقاء أحمدي نجاد وأتباعه مقيدين سياسيا وإدخال تغيير محدود على أسلوب إيران المتحدي للغرب ودول الجوار في الخليج. وفي الوقت نفسه، ربما يمارس رجال الدين في الداخل مزيدا من الضغوط على المعارضة الممزقة بهدف السيطرة عليها، وذلك مع اكتساح الاحتجاجات المؤيدة للإصلاحات بقية أجزاء المنطقة، بحسب محللين.
وقال مهرزاد بروجيردي، متابع الشؤون الإيرانية بجامعة سيراكيوز: «ما نراه هو أن النظام الحاكم يستعرض قوته، وأحمدي نجاد يظهر موقفه الضعيف». واستكمل قائلا: «هذا لا يعني أنه لن يحقق بعض الانتصارات. ولكن وقته يوشك على الانتهاء بالفعل».كان أمرا حتميا أن يتحول الانتباه إلى السباق من أجل خلافة أحمدي نجاد، إذ إنه قد تجاوز المدة المقررة لحكمه بتوليه الحكم لفترتين متتاليتين. وعلى الرغم من ذلك، فإن أحمدي نجاد، قد عجل بشكل هائل بعملية التفكير في المستقبل من خلال مناورة سياسية أتت بعكس النتيجة المرجوة.وقد بدأت هذه المناورة الشهر الماضي حينما أجبر وزير الاستخبارات صاحب السلطة والنفوذ حيدر مصلحي على الاستقالة. وقد رأت بعض وسائل الإعلام الإيرانية أن هذا كان جزءا من جهود أحمدي نجاد لتعزيز سباق انتخابي محتمل يديره صديقه المقرب وكبير معاونيه إسفنديار رحيم مشائي. وتعتبر السيطرة على وزارة الداخلية أداة مهمة في السياسات الإيرانية نظرا لأن ما لديها من ملفات حساسة يمكن أن يثبت عدم أهلية بعض المنافسين، إلا أن المرشد الأعلى خامنئي قد قلب هذا الوضع برمته رأسا على عقب، بإعادته مصلحي إلى موقعه السابق ودفعه أحمدي نجاد إلى الاختفاء عن الساحة السياسية لمدة 10 أيام، إذ ظل غائبا عن اجتماعات مجلس الوزراء وتوقف عن مباشرة مهام منصبه الأخرى خلال هذه الفترة.وقد فسر اختفاء نجاد على أنه تحديه الأكثر جرأة لخامنئي، رأس القيادة الإسلامية. ونبه رجال الدين وواضعو القوانين وآخرون أحمدي نجاد إلى ضرورة التراجع والعودة إلى مباشرة مهام عمله؛ الأمر الذي التزم به الأسبوع الماضي، ولكن كان ثمنه واضحا. فالآن، يبدو أحمدي نجاد، الذي كان من قبل مثالا للثقة الزائدة، في حالة من عدم الاتزان. وقد أضاع رجال الدين الحاكمون - الذين يتولون مهمة فحص كل المرشحين لتولي مناصب عليا في الدولة - بالفعل أية فرصة لخوض مشائي سباق الانتخابات الرئاسية بوصفه خاضعا لحماية أحمدي نجاد.
في الوقت نفسه، يستشعر المعارضون في البرلمان الإيراني أن أحمدي نجاد بات أكثر عرضة للهجوم والانتقاد، وقاموا بتقديم التماس آخر يمكن - في أسوأ السيناريوهات المحتملة - أن يؤدي إلى تقديم دعاوى اتهام ضده. هذا وقد تضمنت الهتافات وقت صلاة الجمعة أيضا انتقادات لاذعة لأحمدي نجاد.
إلى ذلك، تعالت صيحات الجموع المحتشدة في جامعة طهران الأسبوع الماضي وهي تردد: «الموت لمناوئي المرشد الأعلى»، حتى أن أنصار أحمدي نجاد منذ وقت طويل (قوات حرس الثورة الإسلامية التي تتمتع بنفوذ قوي) أشاروا إلى أنه قد تجاوز الحدود. وقد وصلت أحمدي نجاد الرسالة: توقف عن إثارة المشكلات مع مؤسسات النظام الإسلامي الرئيسية. فتراجع قبل أن يورط نفسه بصورة أكبر.
وقال أبو القاسم بايينات، محلل سياسي في الشؤون الإيرانية: «ليس هناك أي شك في أن سلطة أحمدي نجاد قد تداعت». غير أن بايينات وآخرين يحذرون من أن جميع أطراف القيادة في إيران ليس من المحتمل تماما أن يصعدوا الخلافات.ومن المرجح أن يكون المرشد الأعلى قلقا بشأن أية إشارات تدل على حالة من الفوضى في إيران، في الوقت الذي تعج فيه منطقة الشرق الأوسط بثورات جامحة. ويعلم أحمدي نجاد أنه لا يمكنه أن يكون الطرف الفائز في عداء واضح مع قوات حرس الثورة الإسلامية، وأن عليه أن يرضى باتخاذ خطوات أصغر فيما يتعلق بتحقيق أهدافه الرئيسية: محاولة توسيع نطاق استقلال الرئاسة وسلطاتها وتأمين تراثه بانتخاب أحد أنصاره في 2013.وقال بايينات، الذي يدير الموقع الإلكتروني «irandiplomacywatch.com»: «خامنئي يخشى بشدة من التعبير بشكل معلن عن الانقسامات الخطيرة بين القيادات السياسية العليا في الدولة، ومن ثم يفضل الاحتفاظ بسيطرته على الموقف السياسي». وأضاف: «في الوقت الذي يظهر فيه أحمدي نجاد احترامه لخامنئي، فإنه ليس من المحتمل أيضا أن يخضع للضغط السياسي المستمر بإقالة مشائي».
يعتبر مشائي شخصا مثيرا لجدل شديد من جانب الطرفين. فهو مكروه من المتشددين بسبب آرائه التي تعلي قيم إيران ما قبل الثورة الإسلامية وتصريحاته التي تشير إلى أن إيران يمكن أن تعادي حكومة إسرائيل، ولكن يمكن في الوقت نفسه أن يظل شعبها صديقا للشعب الإسرائيلي. على الجانب الآخر، يعتمد أحمدي نجاد على مشائي كعضو في الدائرة المقربة له. كذلك فإن ابنة مشائي متزوجة من ابن أحمدي نجاد.وقالت سوزان مالوني، خبيرة الشؤون الإيرانية بمعهد «بروكينغز» في واشنطن، إنه لم يكن هناك أدنى شك حول نتيجة الاضطراب السياسي في إيران. وأضافت: «لم يوضح لنا الموقف أي شيء جديد علينا.. إن خامنئي هو السلطة العليا في إيران». غير أن الموقف عصيب. فالأمر الآن يتعلق بالمنافسة على من سيخلف أحمدي نجاد.
وتزعم الجماعات المعارضة أن حرس الثورة الإسلامية قد أمسك بزمام الأمور خلال تجديد انتخاب أحمدي نجاد في 2009، وهو الأمر الذي يدعي المعارضون أنه نتج عن التزوير في الانتخابات. كما قاد حرس الثورة الإسلامية عمليات القمع الشرسة ضد المتظاهرين بعد الانتخاب وتمكنوا تدريجيا من توسيع نطاق سلطتهم تحت حكم أحمدي نجاد.
ومع ذلك، فقد أوضح حرس الثورة الإسلامية الآن جليا أنهم لن يدعموا مشائي حليف أحمدي نجاد، وربما يبعدون أنفسهم أيضا عن أحمدي نجاد بوصفهم أدوات معطلة إبان آخر سنتين من حكمه. وقالت مالوني: «حرس الثورة الإسلامية معنيون بالدفاع عن النظام لا بالدفاع عن شخص». وأضافت: «لن يضحوا بأنفسهم أو بنفوذهم من أجل الوقوف إلى جانب شخص ينظر إليه على أنه يتحدى النظام؛ لقد اختار أحمدي نجاد لنفسه هذه الصورة».