تحليل طهران لن تتخلى عن الأسد السبت, 03 سبتمبر 2011 00:00 | |

د. سليم الحسني ( القبس )
خامنئي يستقبل بشار الأسد ( أرشيف )
اهتمت وسائل الإعلام بالتصريحات التي صدرت عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ووزير خارجيته علي أكبر صالحي بضرورة إجراء إصلاحات في سوريا استجابة لمطالب المحتجين هناك
. وذهبت بعض المصادر الصحفية لتتحدث عن توجيهات المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بإيقاف الدعم المالي للحكومة السورية. فهل حقا يتغير موقف إيران من الحليف الاستراتيجي الرئيس سوريا؟!
الكثير من وسائل الإعلام تعاملت مع المواقف الإيرانية الأخيرة وفسرتها على أساس ما تتمناه، الأمر الذي فسره البعض بأنه رد فعل بعيد عن الواقع، في إشارة الى ضرورة الانطلاق من معطيات نابعة من الفهم الجيد لحقيقة الموقف الإيراني تجاه سوريا وأحداثها والأزمة التي تعيشها. وربما ارتاحت طهران لهذا السلوك الإعلامي الخارجي، فقد خفف عنها بعض الهموم. وهنا تجدر الإشارة الى أن القراءة الشفافة لما يدور في إيران لا يتم من خلال متابعة التصريحات الإعلامية، بل من ما يقاس ويوزن ويدار على أرض الواقع- في الداخل كما في الجوار والخارج.
سقوط الأسد لا يزال بعيداً
ربما ستصاب الحكومات العربية بخيبة أمل، إذا عرفت أن طهران ترى في احتمالات بقاء نظام بشار الأسد في دمشق، أكثر من احتمالات سقوطه. وقد جاءت هذه القناعة الإيرانية بعد سلسلة طويلة من النقاشات والاتصالات أجراها مسؤولون إيرانيون مع مسؤولين سوريين ولبنانيين، ثم عادوا يفككون المعلومات والخيارات المتاحة، ويعيدون تركيبها في ورشات عمل كرست جهدها لمعرفة ما سيكشفه الغد في سوريا. وكانت النتيجة أن الحكومة السورية أمامها خيارات عديدة، وأن بعض هذه الخيارات ستكون بصناعة إيرانية صرفة.
جرعة اختبار
في ذكرى النكبة (يونيو الماضي)، اندلعت مواجهات بسيطة على الحدود السورية الإسرائيلية، وبنسبة محدودة أيضاً أطلقت حركة حماس صواريخها صوب المناطق الإسرائيلية، وقد اعتبر الكثير من السياسيين أنها محاولة مكشوفة لتدويل الأزمة السورية، وصرف المتظاهرين من الشوارع الى الحدود، وبذلك تتخلص الحكومة من احتجاجات المدن المتصاعدة. هكذا فكر الكثير من السياسيين العرب، وتوصلوا الى أن هذه الخطوة فشلت ولم تحقق أهدافها. لكن الذي لم يفكروا فيه، أن هذه الخطوة كانت محاولة جس نبض، والتعرف على جدوى خيار المواجهة مع إسرائيل فيما لو استدعت الضرورة ذلك. وقد كان رد الفعل الإسرائيلي ذكياً وبمستوى الفعل، وجاء صريحاً بأن القوة ستكون عنيفة على غزة.
ولأنها كانت تجربة اختبار فإن حزب الله لم يشارك، لأن مشاركته لها خصوصيتها وحساسيتها الدقيقة، كما أنه كان الطرف المعني بمعرفة نتائج التجربة، وتهيئة قراره على أساسها، أي أن مهمته كانت المراقبة فقط.
الواقع يتحدث عن نفسه
هل تتخلى طهران عنه ؟
هل تتخلى طهران عن النظام السوري؟ هذا هو السؤال الأكثر أهمية في مستقبل نظام الأسد. فالموقف الإيراني له وزنه في هذا المجال، كما أن مصير النظام السوري سيحدد مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بمستقبل حزب الله في لبنان.
لندع الواقع يتحدث عن نفسه قليلاً.. فهو يقول:
- إن إيران وجدت في سوريا عمقها الاستراتيجي في الساحة العربية منذ انتصار ثورتها، وقد فتحت لها دمشق بوابة مهمة على الواقع العربي الذي كان مغلقاً أمامها طوال سنوات الحرب مع نظام صدام.
- إن إيران استطاعت من خلال سوريا الحليفة المخلصة، أن تؤسس منظومة حزب الله في لبنان بما تمتلكه من مقاتلين وسلاح ومعدات ونفوذ، في مواجهة إسرائيل، أي أنها وضعت على الحدود الإسرائيلية قوة عسكرية ضاربة جاهزة لخوض المعركة، وبذلك تداعت نظرية الحدود الآمنة التي صرفت عليها تل أبيب عشرات السنين.
- من خلال سوريا، كممر وداعم وظهر قوي، ومن خلال حزب الله، استطاعت إيران أن تكون طرفاً في الساحة اللبنانية المنفتحة على الساحة العربية، بوصفها خلاصة التقاطعات والتجاذبات العربية المعقدة.
- إن إيران التي انتظرت لحظة الانسحاب الأميركي من العراق، أمّلت نفسها بزيادة طبيعية لنفوذها في المنطقة، بعد أن ضمنت هيمنتها على الأطراف الفاعلة في العملية السياسية العراقية، وهذا يعني أن بقاء نظام بشار الأسد وانسحاب القوات الأميركية، سيكشف عن حالة مثالية تصبح فيها إيران هي القوة الأكبر في المنطقة، وصاحبة القول الفصل في حاضرها ومستقبلها.
الرهان على الخسارة الأكبر
مرة أخرى نلجأ الى دفاتر الماضي لنستجلي الموقف. فإيران تمتلك ثقة عالية بالنفس على أنها حين تصنع أزمة أو تشارك في أزمة أو تلتحق بأزمة، فانها تنجح في قطف الثمار، وتجربتها في العراق هي الأكثر بروزاً في هذا المجال. في المقابل، تدرك طهران أن الحكومات العربية حين تصنع أزمة أو تشارك في أزمة أو تلتحق بأزمة، فانها غالباً ما تخرج من دون جني الثمار.
وهذا يعني أن إيران تضع في جدول خياراتها الطويل، هذا الخيار فيما لو وقع المحذور وسقط نظام الأسد.
إن إيران لا تفرّط بأي طرف أنشأت معه علاقة، بصرف النظر عن وزنه وقوته، وبعيداً عن فاعليته أو خموله، فهناك دائماً في العقلية الإيرانية تنتصب إشارة كتب عليها: ان الحاجة إليه قد تأتي ذات يوم. هذا ما حدث في تعقيدات الملف العراقي، وفي فوضى الملف الأفغاني وفي صعوبة الملف اللبناني وغيرها.
غير أن منطق السياسة يقول إن إيران إذا أدركت أن مصالحها ستتعرض للخسارة من جراء دعمها لنظام الأسد، فانها ستسحب تأييدها، بل ان هذا المنطق يقول إنها قد تنقلب ضده. لكن السؤال المنطقي هنا هو: هل هناك خسارة أكبر لإيران من خسارة نظام الأسد؟
هذا هو السؤال المفصلي في القضية، فطالما أن إيران لا ترى أنها ستتعرض لخسارة أكبر من خسارة حليفها السوري، فانها ستبقى على موقفها الداعم والمساند، حتى وإن اضطرت في بعض الأحيان أن تقرصه بتصريح رسمي.
* د.سليم الحسني ـ باحث وكاتب عراقي